قصة شاب ..
انه شاب سورى يبلغ من العمر 21 عاماً بدأ خليفة حياته في الجحيم عند رسمه صورة للعذراء على جدار في حلب كعلامة سلام.
يحاول الشاب اليوم بناء حياته و تحقيق أحلامه في الالتحاق بجامعة السوربون. لكن الكوابيس لازالت تطارده.
في يوم من الأيام أتى أحد الجهاديين إلى الزنزانة و نظر في عينيه قبل أن يقول:”من رسم العذراء؟ هل تلعقون أحذية النصرانيين” (المسيحيين)؟ في تلك اللحظة تأكد خليفة أن دوره قد حان لدخول غرفة التعذيب.
طرق تعذيبه:
مكبّل اليدين و القدمين، معصوب العينين و مستلقٍ على بطنه، وضع جلاده مشبكاً معدنياً في يديه و قدميه لمنعه من الحركة. و باستخدام سلسلة، عُلِّق فوق الأرض بمتر واحد، و يداه و قدماه خلف ظهره. قال خليفة:”مثل الكيس”. و هذا النوع من التعذيب يعرف باسم “الشبح”.
استمر التعذيب لأربع ساعات. “استمر معذبي بالقول ‘اعترف’. لكني لم أقل شيئاً. ضربني على وجهي بشدة حتى يضرب وجهي بالسلسلة. شعرت بوخز في كل أنحاء جسدي، أحسست كأنها كهرباء”.
كان معذِب خليفة يتوقف لفترات قصيرة من أجل الصلاة، و من ثم يبدأ من جديد. سئل إن كان قد التقط صوراً للجيش السوري الحر و هو يحارب مقاتلي الدولة الإسلامية. “قلت نعم حتى ينتهي هذا فقط”. و بهذا سُمِح له بالنزول على الأرض و شعر بارتياح كبير…
استخدمت الدولة الإسلامية مجموعة كاملة من أساليب التعذيب في سجن الباب، قال خليفة:”الصعق بالكهرباء، و هي وسيلة تستخدم في سجون النظام السوري” أو السجن في زنزانة ضيقة مع تكبيل اليدين على الرأس. “و قد يدوم هذا لعدة أيام”.
بعد جلسة التعذيب الأولى لم يكن خليفة قادراً على الحراك. كما ترك هذا كدمات على يديه و قدميه و دم جاف على المفاصل. ثم جاءت جلسة الشبح الثانية. و هذه المرة استمرت لخمس ساعات. “شعرت بأنها نهايتي. فكرت بوالديّ و شقيقتي الصغرى. و قررت بعدها أن أتحدث إلى الله، أتحدث إليه عما أحلم به …”.
و إلى جواره وقف جلاده يصلي. “لم أتحمل سماع معذبي يقول ‘الله أكبر’ لقد كرهت هذه الكلمات! كيف لهذا الرجل أن يصلي و ينفذ هذا التعذيب؟” و هنا قرر خليفة الاعتراف برسمه العذراء، ظناً منه أن هذا “سيكون أكثر كرامة” بالنسبة له.
أخذت بصماته على ورقة تتضمن أشياء لا يعرفها. و بعد بضعة أيام من الانتظار أرسل للمثول أمام قاضٍ تونسي. و بعد اعترافه “بجريمته” كان على خليفة انتظار الحكم في زنزانة مخصصة لسجناء الحرب الذين من الممكن مبادلتهم. و قال له الجهاديون:”إذا كنت لا تريد الموت، أخبر والديك أن يكلموا الجيش الحر لمبادلتك مع أحد مقاتلينا الأسرى”.
“أدركت أن وقتي قد نفذ”
بعد عدة أيام، في الوقت الذي كان لايزال فيه خاضعاً للاستجواب، رأى خليفة سجيناً يتدلى من الشبح. “لم أكن أستطع الحركة، و كنت أكثر اقتناعاً بقراري: الاعتراف بكل شيء و ليفعلوا ما يريدون”.
في مرحلة ما سُمِح لوالديّ خليفة بزيارته. قطعوا مسافة 200كم من أجل زيارة لمدة 15 دقيقة. “كانت والدتي مغطاة تماماً. لم أستطع رؤية سوى عينيها و هي تبكي”. “قلت لها أني أعرف بأن وقتي قد نفذ و طلبت منها نسياني”.
بقي خليفة لأسابيع في الزنزانة مع سجناء من الجيش السوري الحر و حزب العمالي الكردستاني. كان يقتل الوقت بقراءة الكتب الدينية التي تصل إلى يديه. يقرأ لينسى شعور اقتراب نهايته. كان يرتجف في كل مرة يُفتَح فيها الباب. حتى ذلك اليوم، في أواخر شهر تشرين الثاني، عندما أخذه مقاتلي داعش إلى غرفة حيث كان القاضي في انتظاره. كان القاضي يقرأ: حُكِم على خليفة بالموت لرسمه العذراء، و اتهامه بالتقاط صور للقتال بين الدولة الإسلامية و غيرها من الجماعات.
“في اليوم التالي تم نقلي إلى مبنى بالقرب من السجن. لم أستطع كبح دموعي عند رؤيتي السماء و الغيوم للمرة الأولى منذ شهور. خاصة عند اعتقادي بأني ذاهب إلى حتفي”.
لكن في السجن الجديد وجد خليفة مجموعة من السجناء قد “عفا عنهم أبو بكر البغدادي، رئيس الدولة الإسلامية و الخليفة”، و كان مطلوباً منه الدراسة لثلاثة أشهر في السجن “لإعادة تأهيله”. و هكذا بدأ الدورات الدينية. كان أحد أساتذته ألمانياً يتحدث العربية بطلاقة، معروف باسم أبو يوسف الألماني و متزوج من امرأة لبنانية-ألمانية.
“كان أمامي ثلاثة خيارات؛ إما أن أبقى في السجن، أو أقتل أو أهرب”
و بسرعة سيطر القلق عليه. خلال إقامته، اكتشف خليفة أن أحد المعتقلين قد أعدم على الرغم من حصوله على العفو. “قد لنفسي أنهم قد خدعوني، و أن لا بد لي من الفرار”.
في 17 كانون الأول 2014 قال الشاب السوري لسجين أصبح حارساً في “مركز إعادة التأهيل” أنه سيخرج و يعود في وقت عمله في ملء أكياس الرمل المستخدمة لحماية السجن من الضربات الجوية للتحالف.
بعد السير لحوالي كيلومتر أراد الهرب وطلب المساعدة من سائق لا يعرفه. “اليوم، و أنا أتذكر ما حصل، أدرك المخاطرة التي أقدمت عليها. لكني لم أملك شيئاً لأخسره. كان أمامي الخيار بين أن أبقى في السجن، أو أقتل أو أهرب”.
بدت رحلة لا نهاية لها: ثلاث ساعات على الطريق غير المنتهي. شعر خليفة و كأن السيارة لا تتحرك. و على أول حاجز للدولة الإسلامية استطاع خليفة أن يضبط أعصابه. “كنت أعرف أن داعش دقيقة جداً في تفتيش السيارات التي تدخل منطقتها”.
و بعد ذلك أخبر خليفة السائق أنه قد هرب لتوه من السجن. يذكر خليفة الرجل و قد “ذعر و قال له ألّا يتصل به أبداً بمجرد وصولهم بأمان. و لم أتحدث بقية الرحلة. و كطفل صغير كنت أراقب المشهد من حولي. رأيت أشياء كنت أفكر بها في السجن و اعتقدت أني لن أراها مجدداً”.
سارت السيارة، و مرت بقرية، و ثم بقرية أخرى، و نقاط تفتيش للجيش السوري الحر، و جبهة النصرة، حتى حلب. “أخيراً وصلنا إلى جزماتي، الحي الذي كنت أعيش فيه في حلب، شعرت و كأني أدخل مكاناً مقدساً. بدأ الأطفال بمناداتي و خرج الكبار حافي القدمين لرؤيتي لقد ظن الجميع أني مت”.
مواجهة المخاوف
ذهب خليفة إلى المنزل. لقد كان كل شيء على حاله. كوب الشاي الذي كان يحتسيه و الكتاب الذي كان يقرأه قبل اعتقاله. لم يتغير شيء. “لمست الجدران. لم أستطع أن أصدق أني لازلت على قيد الحياة. نظرت إلى المرآة و بالكاد تعرفت إلى نفسي”.
في اليوم التالي غادر خليفة إلى تركيا و بدأ فترة النقاهة الطويلة. فقد 10كغ من وزنه و تدهور نظره بسبب سوء التغذية. اتبع لعدة أشهر علاجاً لمرض الجذام كان قد التقطه في السجن. “لكن الأسوأ كان الألم النفسي، تلك هي الجروح التي لا تلتئم”.
لم تغب عن باله فكرة الهروب إلى أوروبا. لكن خليفة لم يرد العيش في حالة من الفرار، و لهذا عليه مواجهة مخاوفه و هزيمتها. بدأ الشاب بدراسة علم الاجتماع على الانترنت و حصل على الشهادة. و يأخذ الآن دروساً في اللغة الفرنسية للالتحاق بجامعة السوربون. فهذا هو حلمه. و كصحافي مستقل يكتب عن الرقة و حلب. كما يخطط لكتابة قصته.
انه شاب سورى يبلغ من العمر 21 عاماً بدأ خليفة حياته في الجحيم عند رسمه صورة للعذراء على جدار في حلب كعلامة سلام.
يحاول الشاب اليوم بناء حياته و تحقيق أحلامه في الالتحاق بجامعة السوربون. لكن الكوابيس لازالت تطارده.
في يوم من الأيام أتى أحد الجهاديين إلى الزنزانة و نظر في عينيه قبل أن يقول:”من رسم العذراء؟ هل تلعقون أحذية النصرانيين” (المسيحيين)؟ في تلك اللحظة تأكد خليفة أن دوره قد حان لدخول غرفة التعذيب.
طرق تعذيبه:
مكبّل اليدين و القدمين، معصوب العينين و مستلقٍ على بطنه، وضع جلاده مشبكاً معدنياً في يديه و قدميه لمنعه من الحركة. و باستخدام سلسلة، عُلِّق فوق الأرض بمتر واحد، و يداه و قدماه خلف ظهره. قال خليفة:”مثل الكيس”. و هذا النوع من التعذيب يعرف باسم “الشبح”.
استمر التعذيب لأربع ساعات. “استمر معذبي بالقول ‘اعترف’. لكني لم أقل شيئاً. ضربني على وجهي بشدة حتى يضرب وجهي بالسلسلة. شعرت بوخز في كل أنحاء جسدي، أحسست كأنها كهرباء”.
كان معذِب خليفة يتوقف لفترات قصيرة من أجل الصلاة، و من ثم يبدأ من جديد. سئل إن كان قد التقط صوراً للجيش السوري الحر و هو يحارب مقاتلي الدولة الإسلامية. “قلت نعم حتى ينتهي هذا فقط”. و بهذا سُمِح له بالنزول على الأرض و شعر بارتياح كبير…
استخدمت الدولة الإسلامية مجموعة كاملة من أساليب التعذيب في سجن الباب، قال خليفة:”الصعق بالكهرباء، و هي وسيلة تستخدم في سجون النظام السوري” أو السجن في زنزانة ضيقة مع تكبيل اليدين على الرأس. “و قد يدوم هذا لعدة أيام”.
بعد جلسة التعذيب الأولى لم يكن خليفة قادراً على الحراك. كما ترك هذا كدمات على يديه و قدميه و دم جاف على المفاصل. ثم جاءت جلسة الشبح الثانية. و هذه المرة استمرت لخمس ساعات. “شعرت بأنها نهايتي. فكرت بوالديّ و شقيقتي الصغرى. و قررت بعدها أن أتحدث إلى الله، أتحدث إليه عما أحلم به …”.
و إلى جواره وقف جلاده يصلي. “لم أتحمل سماع معذبي يقول ‘الله أكبر’ لقد كرهت هذه الكلمات! كيف لهذا الرجل أن يصلي و ينفذ هذا التعذيب؟” و هنا قرر خليفة الاعتراف برسمه العذراء، ظناً منه أن هذا “سيكون أكثر كرامة” بالنسبة له.
أخذت بصماته على ورقة تتضمن أشياء لا يعرفها. و بعد بضعة أيام من الانتظار أرسل للمثول أمام قاضٍ تونسي. و بعد اعترافه “بجريمته” كان على خليفة انتظار الحكم في زنزانة مخصصة لسجناء الحرب الذين من الممكن مبادلتهم. و قال له الجهاديون:”إذا كنت لا تريد الموت، أخبر والديك أن يكلموا الجيش الحر لمبادلتك مع أحد مقاتلينا الأسرى”.
“أدركت أن وقتي قد نفذ”
بعد عدة أيام، في الوقت الذي كان لايزال فيه خاضعاً للاستجواب، رأى خليفة سجيناً يتدلى من الشبح. “لم أكن أستطع الحركة، و كنت أكثر اقتناعاً بقراري: الاعتراف بكل شيء و ليفعلوا ما يريدون”.
في مرحلة ما سُمِح لوالديّ خليفة بزيارته. قطعوا مسافة 200كم من أجل زيارة لمدة 15 دقيقة. “كانت والدتي مغطاة تماماً. لم أستطع رؤية سوى عينيها و هي تبكي”. “قلت لها أني أعرف بأن وقتي قد نفذ و طلبت منها نسياني”.
بقي خليفة لأسابيع في الزنزانة مع سجناء من الجيش السوري الحر و حزب العمالي الكردستاني. كان يقتل الوقت بقراءة الكتب الدينية التي تصل إلى يديه. يقرأ لينسى شعور اقتراب نهايته. كان يرتجف في كل مرة يُفتَح فيها الباب. حتى ذلك اليوم، في أواخر شهر تشرين الثاني، عندما أخذه مقاتلي داعش إلى غرفة حيث كان القاضي في انتظاره. كان القاضي يقرأ: حُكِم على خليفة بالموت لرسمه العذراء، و اتهامه بالتقاط صور للقتال بين الدولة الإسلامية و غيرها من الجماعات.
“في اليوم التالي تم نقلي إلى مبنى بالقرب من السجن. لم أستطع كبح دموعي عند رؤيتي السماء و الغيوم للمرة الأولى منذ شهور. خاصة عند اعتقادي بأني ذاهب إلى حتفي”.
لكن في السجن الجديد وجد خليفة مجموعة من السجناء قد “عفا عنهم أبو بكر البغدادي، رئيس الدولة الإسلامية و الخليفة”، و كان مطلوباً منه الدراسة لثلاثة أشهر في السجن “لإعادة تأهيله”. و هكذا بدأ الدورات الدينية. كان أحد أساتذته ألمانياً يتحدث العربية بطلاقة، معروف باسم أبو يوسف الألماني و متزوج من امرأة لبنانية-ألمانية.
“كان أمامي ثلاثة خيارات؛ إما أن أبقى في السجن، أو أقتل أو أهرب”
و بسرعة سيطر القلق عليه. خلال إقامته، اكتشف خليفة أن أحد المعتقلين قد أعدم على الرغم من حصوله على العفو. “قد لنفسي أنهم قد خدعوني، و أن لا بد لي من الفرار”.
في 17 كانون الأول 2014 قال الشاب السوري لسجين أصبح حارساً في “مركز إعادة التأهيل” أنه سيخرج و يعود في وقت عمله في ملء أكياس الرمل المستخدمة لحماية السجن من الضربات الجوية للتحالف.
بعد السير لحوالي كيلومتر أراد الهرب وطلب المساعدة من سائق لا يعرفه. “اليوم، و أنا أتذكر ما حصل، أدرك المخاطرة التي أقدمت عليها. لكني لم أملك شيئاً لأخسره. كان أمامي الخيار بين أن أبقى في السجن، أو أقتل أو أهرب”.
بدت رحلة لا نهاية لها: ثلاث ساعات على الطريق غير المنتهي. شعر خليفة و كأن السيارة لا تتحرك. و على أول حاجز للدولة الإسلامية استطاع خليفة أن يضبط أعصابه. “كنت أعرف أن داعش دقيقة جداً في تفتيش السيارات التي تدخل منطقتها”.
و بعد ذلك أخبر خليفة السائق أنه قد هرب لتوه من السجن. يذكر خليفة الرجل و قد “ذعر و قال له ألّا يتصل به أبداً بمجرد وصولهم بأمان. و لم أتحدث بقية الرحلة. و كطفل صغير كنت أراقب المشهد من حولي. رأيت أشياء كنت أفكر بها في السجن و اعتقدت أني لن أراها مجدداً”.
سارت السيارة، و مرت بقرية، و ثم بقرية أخرى، و نقاط تفتيش للجيش السوري الحر، و جبهة النصرة، حتى حلب. “أخيراً وصلنا إلى جزماتي، الحي الذي كنت أعيش فيه في حلب، شعرت و كأني أدخل مكاناً مقدساً. بدأ الأطفال بمناداتي و خرج الكبار حافي القدمين لرؤيتي لقد ظن الجميع أني مت”.
مواجهة المخاوف
ذهب خليفة إلى المنزل. لقد كان كل شيء على حاله. كوب الشاي الذي كان يحتسيه و الكتاب الذي كان يقرأه قبل اعتقاله. لم يتغير شيء. “لمست الجدران. لم أستطع أن أصدق أني لازلت على قيد الحياة. نظرت إلى المرآة و بالكاد تعرفت إلى نفسي”.
في اليوم التالي غادر خليفة إلى تركيا و بدأ فترة النقاهة الطويلة. فقد 10كغ من وزنه و تدهور نظره بسبب سوء التغذية. اتبع لعدة أشهر علاجاً لمرض الجذام كان قد التقطه في السجن. “لكن الأسوأ كان الألم النفسي، تلك هي الجروح التي لا تلتئم”.
لم تغب عن باله فكرة الهروب إلى أوروبا. لكن خليفة لم يرد العيش في حالة من الفرار، و لهذا عليه مواجهة مخاوفه و هزيمتها. بدأ الشاب بدراسة علم الاجتماع على الانترنت و حصل على الشهادة. و يأخذ الآن دروساً في اللغة الفرنسية للالتحاق بجامعة السوربون. فهذا هو حلمه. و كصحافي مستقل يكتب عن الرقة و حلب. كما يخطط لكتابة قصته.